”عيشه قنديشه ” سيدة الجحيم والمستنقعات
أحمد الشلقامىخوارقالأساطير والخرافات والحكايات الشعبية المتوارثة والشخصيات السحرية والجنية، تلك الأساطير التي تعد تراثًا متوارثًا عن الأباء والأجداد، ويؤمن به الكثيرون.
عيشة القنديشة أو لالة عيشة أو عيشة السودانية أو سيدة المستنقعات، هي أسماء عديدة أطلقت على شخصية خرافية واحدة متواجده في الثقافة المغربية، تُعد من أكثر الشخصيات الخرافية شعبية في المغرب، حيث تقول الخرافة إن عيشة قنديشة جنية تتشكل في هيئة امرأة بالغة الجمال تخفي تحت ردائها الأبيض البراق، قدمين تشبهان حوافر الجمال أو البغال أو الأغنام، ويدعي مروجو الأسطورة أنها تظهر ليلاً في الغابات وبجوار المصارف والبرك الراكدة والمستنقعات وطعامها الأثير هو لحم الرجال.
ويُقال عنها إن جمالها يخلب الألباب، وتفتن كل رجل يراها، فتغويه وتستدرجه إلى وكرها فتمارس الجنس معه ثم تقتله وتأكل لحمه وتشرب دماءه.
وطبقًا للأسطورة الشائعة، فإن النار الشيء الوحيد القادر على قهر هذه الجنّية، حيث يُروى أنها ظهرت في طريق بعض الرجال العائدين إلى قريتهم، وكانت قاب قوسين أو أدنى من الإيقاع بهم، قبل أن يلاحظ أحدهم حوافرها ويتعرف عليها، فبادروا بخلع عمائمهم وأضرموا فيها النيران، فسارعت "عيشة قنديشة" بالهرب.
وتزعم العجائز المغربيات أن عيشة قنديشة امرأة توفي عنها زوجها، لكنها لم تلتزم بما تتلزم به النساء عند الترمل، من لبس الأسود وترك الزينة وعدم الخروج من البيت واحترام "حق الله" أيام العدة، وبسبب فعلتها هذه، أصابتها اللعنة الإلهية، حيث صارت تتعذب بسلاسل تجرها ورائها، وصارت تكره النور، وتسكن في المقابر، ويرى البعض أن مثل هذه الحكايات التي تصر العجائز على صحتها، رسائل مبطنة وربما صريحة للمترملات كي يلتزمن بطقوس وشروط العدة.
وتناولت بعض الدراسات المهتمة بالتراث المغربي أصل قصة عيشة قنديشة، مثل بعض الدراسات المعاصرة التي قام بها الفرنسي بول باسكون والسوري مصطفى العتيري، حيث توصلت هذه الدراسات إلى أن عيشة القنديشة هو اسم محرف لعائشة الكونتيسة، المغربية المورسيكية التي طردها المسيحيون من الأندلس إبان محاكم التفتيش أوائل القرن السادس عشر حين تم تهجير نحو 275.000 مسلم من المورسكيين.
وتذكر بعض الوقائع التاريخية أن عيشة كانت مسافرة حين هاجم الجيش البرتغالي قريتها "أزمور" في المغرب سنة 1558، وأبادوا كل سكانها بما فيهم عائلتها وزوجها، فقررت الانتقام بسلاحها الوحيد، جمالها الأخاذ.
حيث تعاونت عيشة مع الجيش المغربي في محاربة البرتغاليين، وكانت لها طريقتها الخاصة في إغواء المحاربين بجمالها وجرهم إلى الوديان والمستنقعات، حيث تذبحهم بطريقة مرعبة.
ولما أظهرت عيشة شجاعة باهرة في القتال وذاع صيتها، خاف البرتغاليون من ازدياد شعبيتها وتوسع مناصريها وتحولها إلى بطلة قومية، فروجوا بين المغربيين البسطاء أنها جنية وليست بشرًا، وتختطف الذكور إلى وكرها الموحش كي يخشاها الناس، وبالفعل انتشرت هذه الشائعات كانتشار النار في الهشيم، واستمرت حتى يومنا هذا، وتقول الدراسات التاريخية إن عيشة لقيت حتفها بعد مشاركتها في معركة وادي المخازن سنة 1578 ولكن لم يتم العثور على جثتها.
وعيشة قنديشة في التراث المغربي تشبه إلى حد كبير "النداهة" في التراث الشعبي المصري، و"أم الدويس" في التراث الخليجي، وبانشي Banshee في التراث الأيرلندي.