”فيللينى الدراما المصرية”.. رؤوف عبد العزيز مزيج من الخبرات العالمية والمسؤولية الأخلاقية
اسلام غنيمخوارقلايختلف أحد بالتأكيد على كون المدرسة الواقعية هي المدرسة الأكثر شعبية في الفن والدراما، بمعنى أن الجمهور عندما يشاهدها على الشاشة سوف يُصدقها أكثر ويتفاعل معها، لكن على الرغم من ذلك فإن أغلب الأعمال الدرامية تخلو تمامًا من تلك الواقعية وتبدو وكأنها أعمال خيالية، وهذا لا يعني أنها تعتمد على الخيال العلمي أو ما شابه، فقط لأنها تبدو وكأنها جديدة على الشعب أو المجموعة التي تخطبها ولا تُشبهها من قريب أو من بعيد
ويعد المخرج الايطالى فيديريكو فيللينى احد اهم المخرجين فى العالم ومؤسس المدرسة الواقعية فى العالم و من أكثر السينمائيين الأوروبيين عموماً قرباً منا نحن أبناء الثقافة العربية ، يحب الألوان الصريحة القوية، والصور التى تزخر بالحركة والحيوية والحياة.
كما يؤمن بسحر الفن والوجود اللا مرئى للأشياء، وكان يصنع اعماله الفنية للمتعة، لمتعته الشخصية ورغبته فى إمتاع المشاهدين، ويعد نموذج مثالى للمخرج- المؤلف، الذى يعبر عن أفكاره الخاصة فى اعماله الفنية التى تشهد الكثير من الانعكاسات من أفكاره الفلسفية، ورؤيته الخاصة للحياة ، ويرى أن لقوانين الواقع منطقها الخاص، لكن من دون أن ينحو نحو الفوضوية فكراً.
وهذا تحديدًا اسلوب المخرج رؤوف عبد العزيز فى اعماله التي خرجت من مدرسة الواقعية الخلاقة إلى أبعد حد بعيدا عن النمطية المعتادة فى اغلب الاعمال الدرامية وجعلته مميزًا عن بقية المخرجين، وربما مسلسل الطاووس يبدو نموذج واضح على ذلك.
ويخرج من وسط زحام الدراما الرمضانية مسلسل "الطاووس" بألوانه الزاهية المبهجة للمخرج "رؤوف عبد العزيز " ليضع المشاهد العربي أمام مسؤوليته الأخلاقية الإنسانية ، ويعيد للدراما العربية رونقها وللدراما المصرية دورها الريادي الطليعي في بناء الإنسان، فنحن أمام مسلسل ينتصر للطبقة الكادحة ويعرض جريمة من أقسى الجرائم التي تتعرض لها الإنسانية وهي الاغتصاب..
اولا احب ان اشير الى المعنى الفلسفى لكلمة الطاووس اسم المسلسل ، ارى انه يعنى التعبير عن الإحساس المتضخم بالذكورة والمباهاة بها، والنظر للمرأة بنظرة دونية دون الاهتمام بكيانها أو حصانتها، وعلى مستوى أعمق، فى مصطلح "متلازمة الطاووس" ويتمثل في أن ذكور الطاووس بينما يقومون باستعراض فتنة ذيولهم العظيمة أمام الإناث كتشبيه للرجال المتباهين بالمظاهر، ثروة كانت أو ازياء أو وسامة ، والذين غالبًا ما يكونون مصابين باضطراب الشخصية النرجسية المفتونة بالذات ، وانثى الطاووس هى مثل غريزة الأنثى البشرية وإناث البشر و منهم نوعان النوع الاول يدركن أن وراء مظاهر الثراء الاستعراضي للبشر الطواويس فقرًا نفسيا مدقعًا وخفة، وهما صفتان خطِرتان، لا تحتملها في مجال العواطف غير الإناث الخفيفات، اللائي يقبلن بالعلاقات العابرة، ويبكين الحب في النهاية.أما الإناث راسخات الأنوثة، اما النوع الثانى فهن الطامحات إلى علاقات حب دائمة، تشكل مسيرة عمر، لتكوين أسرة، وإنجاب ذرية من عشاق يشكلن لديهن "حب العمر ويحكموا عقلهن فى الاختيار الصحيح للجوهر بدون النظر للمظاهر الكاذبة الاخرى.
رؤوف عبد العزيز مخرج ذكى جدا ومخلص ومتقن لعمله جدااا و يعمل دائما على المزج بين الشكل والمضمون. يقدم لنا المعالجة الفنية البصرية بعيدا عن الحشو والابتذال و هوس التقنيات الزائفة ، وحافظ على الايقاع البصري للمسلسل ، فلم نشعر بلحظة ملل واحدة ، بنى مشاهده بانسيابية مدهشة وجعلنا مشاركين لا متلقين للعمل حيث اعتمد في رؤيته الإخراجية على اسلوبه المتوازي في المونتاج.
ويحرص دائما على أن تكون الصورة لها معنى ونجح فى مزج المتعة البصرية بقضية المسلسل في نسيج ربما لا يُمكن القيام به بالصورة الصحيحة سوى عدد قليل جدًا من المخرجين ، فإذا شاهدت المسلسل بشكل اخر فسوف ترى أمامك أماكن تصوير مفتوحة فى الاسكندرية واسوان ، فبغض النظر عن القصة الجيدة ومضمونها والبناء الدرامى والتصاعد المنطقى للاحداث نجد أن مثل هذه المشاهد تريح العين، و المسلسل نفسه لا يزال محتفظًا بقضيته الرئيسية وما تلك المتعة البصرية إلا أداة تخدم العمل وبقوة.
واستطاع المخرج رؤوف عبد العزيز ببساطة وسلاسة، أن يقدم لنا جميع المعاني والمشاعر التي تشعر بها ضحية الاغتصاب، دون أي لفظ أو مشهد جارح للمشاهدين، خاصة في مشهد الاغتصاب، والذي قدمه بشكل إنساني استطاع من خلاله أن يوصل للجمهور كل مشاعر الحزن والضعف والانكسار التي تشعر بها الضحية، ومدي الاستهتار الذين يتمتع به مرتكبي الجريمة الاغتصاب، خاصة إذا كانوا من ذوي الطبقة التي تتمتع بالسيطرة والنفوذ.
اقرأ أيضاً
الجدير بالذكر ان المخرج رؤوف عبد العزيز قد تعاون مع المخرجان الكبيران الراحلان يوسف شاهين و سمير سيف كمصور ومدير تصوير، مما منحه الكثير من الخبرات العالمية التى جعلته متمكنًا من أدواته واستخراج مشاعر جديدة من الممثل التى خدمت قصة المسلسل والقضية التى يتناولها. ويرجع ذلك لقوة أداء وأدوات المخرج رؤوف عبد العزيز فى اختيار الكادرات وزوايا الكاميرا التى جعلت المشاهد يعيش تفاصيل ذلك المشهد ولكن دون ابتذال، خاصة أنه يعد الوحيد في الدراما المصرية خلال الفترة الحالية الذي يجمع بين التصوير والإخراج في عمل فني واحد.